24
مايو
2025
دهشة الشعر وخصوبة الرمز: عمار المسعودي يرسم الريف والوجود بلون جديد
نشر منذ 20 ساعة - عدد المشاهدات : 3686



بقلم / الدكتورة أيناس حمزة الأعرجي

 

يعبر الشاعر الدكتور عمار المسعودي حدود القصيدة العراقية المعاصرة، حاملاً معه عبق البساتين وحنين الطفولة ليؤسس هوية شعرية تحتفي بالرمز وتعيد اكتشاف الذات بين الريف والمدينة. وُلِد المسعودي في قرية الصلامية التابعة لقضاء الحسينية في محافظة كربلاء، حيث شكلت البيئة الريفية جذور رؤيته الشعرية، ورافقت نصوصه كظلال دائمة لا تغادر الورق. بدأت علاقته بالشعر في سن مبكرة وبشكل عفوي حين كتب أولى قصائده على كيس سمنت متأثراً بتجربة عاطفية، فاكتشف سريعاً أن القصيدة ليست مجرد كلمات، بل وسيلة للبوح العميق وتحويل وجع الذات وذاكرة القرية إلى مشاهد نابضة بالحياة. من هنا ارتبط اسمه بلقب "شاعر الخضرة والبستان"، إذ تحولت الطبيعة في نصوصه إلى لوحات رمزية تبث الحياة في تفاصيل الريف اليومية.

ولم تقتصر مسيرة المسعودي على الكتابة وحدها؛ فقد حصل على شهادة الدكتوراه وترأس اتحاد أدباء كربلاء لدورتين، جامعاً بين الإبداع الفردي والعمل الثقافي المؤسسي، ليكون صوتاً للقصيدة ومؤسساً لحراك أدبي نشط في مدينته. أصدر المسعودي عدداً من المجموعات الشعرية التي شكّلت محطات مفصلية في تجربته، أبرزها "فقه النشوة" الصادرة عام 2020، والتي اتسمت بكثافة لغتها وانشغالها بأسئلة الوجود وفلسفة اللذة والانكسار، مع مسحة مجازية وفلسفية واضحة. أما مجموعته الأحدث "صيف أسمر" التي صدرت عام 2024 فقد أثارت اهتماماً نقدياً لافتاً وأقيمت جلسة مناقشة خاصة لها باتحاد أدباء كربلاء. وتضم هذه المجموعة أكثر من ستين قصيدة صدرت عن سلسلة "شعر" التابعة لدار الشؤون الثقافية العامة، وصممت غلافها الفنانة شهد حمدي، لتشكل علامة فارقة في منجزه الأدبي.

شهدت بغداد أمسية خاصة لتوقيع "صيف أسمر" في الحادي والعشرين من أيار 2025 بمقهى "كهوة وكتاب"، حيث ألقى المسعودي نصوصه وتعمق النقاد في تفكيك تجربته وتجديده لقصيدة النثر، وسط حضور نوعي من المهتمين بالشعر. تميزت هذه المجموعة بجرأة أسلوبها وانفتاحها على البنى الرمزية والوجودية؛ إذ تصدرت الطبيعة والمرأة المشهد الشعري كرموز متعددة المعاني، وبرز المكان بقوة في استحضار الريف أو عبر الذاكرة الحسية التي تربط الإنسان بجذوره الأولى. يذهب النقاد إلى أن "صيف أسمر" تمثل مرحلة جديدة من النضج الشعري لدى المسعودي، إذ تمكن عبرها من تجديد بنية قصيدة النثر من خلال لغة رمزية موحية غنية بالاستعارات، كما في قوله: "أنا حفنة ماء لا تغري عطشى"، حيث يتحول العطش إلى رمز لرغبة غير مشبعة، إضافة إلى الصور الحسية المتلاحقة التي تمنح النص أجواء رؤيوية نابضة بالحياة.

وتتسم قصائد المسعودي أيضاً بالحوار والتساؤل، إذ يطرح أسئلة مفتوحة تصنع أفقاً تأملياً للمتلقي، كما في قوله: "سألني عن البداية، قلت: لم أبدأ"، فيما يحضر المكان بتفاصيل دقيقة تستحضر جغرافية الطفولة والحنين إلى القرية. وتكتسب نصوصه طابعاً سردياً، فكأن كل قصيدة حكاية ذاتية تنفتح على الهم الإنساني والوجود، فضلاً عن توظيف الرمزية والتكرار الصوتي لبناء إيقاع داخلي يعبّر عن توترات النص وهمومه. بهذه العناصر، يصنع عمار المسعودي تجربة شعرية تحتفي باليومي والوجودي معاً، وتمنح الرمز أفقاً جديداً بين بساطة الريف وعمق الأسئلة الكبرى. لقد أصبح المسعودي واحداً من أبرز وجوه الشعر العراقي المعاصر، صانعاً فضاءً شعرياً خاصاً يدهش القارئ ويجعله شاهداً على التحولات بين الذات والعالم، بين الحنين والغد.



صور مرفقة







أخبار متعلقة
مشاركة الخبر
التعليق بالفيس بوك
التعليقات
استطلاع رأى

هل تتوقع أن تساهم التظاهرات بتحسين مستوى الخدمات

14 صوت - 67 %

0 صوت - 0 %

عدد الأصوات : 21

أخبار