![]() |
|
17
يونيو
2025
|
فلسطين تُباد... والرايات تلوّح للجلاد
نشر منذ 2 يوم - عدد المشاهدات : 7676
|
بقلم: مرفت محمد عبدالله
فلسطين تُباد، نعم تُباد أمام أعيننا، لا لأنها ضعيفة، بل لأن "مَن
حولها" صاروا أضعف منها، خانعين حتى النخاع، يرفعون الرايات بينما تُسحب الأرض
من تحت أقدامهم، ويهللون للزيف بينما يُسحق الشعب الفلسطيني تحت جنازير الاحتلال.
نحن لا نعيش حربًا عابرة، بل نشهد أخطر مشروع تصفية ممنهجة للقضية الفلسطينية
منذ النكبة.
ما يحدث اليوم ليس جولة قصف على غزة، ولا اقتحامًا في الضفة، بل هو مخطط
اجتثاث شامل: الأرض، والإنسان، والهوية، والمقدسات.
والأشد مرارة؟ أن العدو لا يعمل في الظلام بل في وضح النهار، وعلى مرأى
ومسمع من أمة تعدادها مئات الملايين، لكنها تائهة، مستكينة، تستبدل الفعل بالتحليل،
والشجاعة بالشعارات، وتنام على وسادة الخنوع.
فلسطين اليوم لا تذبحها إسرائيل وحدها .... بل تذبحها الطعنات القادمة
من ظهور من ادّعوا نصرتها .... من تاجروا بدمها ....
وجعلوها سلعة للمقايضة في أسواق السياسة وأوراق ضغط في صراعات المصالح.
ولكن، لنسأل أنفسنا بصدق:
هل العدو الحقيقي في "تل أبيب" فقط؟
أم في العقول التي استمرأت الخضوع، والألسن التي تعودت التبرير، والنُظم
التي تعيد تدوير العبودية بأسماء براقة كـ "الشرعية" و"الاستقرار"،
و"السيادة"؟
المشكلة ليست فقط في الطغاة، بل في "عبيد الطغيان".
في أولئك الذين حين يصلون إلى السلطة، لا يتحولون إلى أحرار، بل يصبحون
طغاة جدد، يطغون بفظاظة أشد من سابقيهم.
هذا ما فصله المفكر العراقي علي الوردي حين شرح مأساة "العقل التبريري"،
الذي يصنع لنفسه أصنامًا من قمعه، ويعبد جلاده لأنه "يشبهه".
أما المفكر علي شريعتي فقد قالها بلا مواربة: "العبد لا يطالب بالحرية...
لأنه لا يعرفها أصلاً!"
العقل المستعبد، كالعين المطفأة، لا تبصر النور، بل ترتجف منه.
أما المفكر الدكتور علي المؤمن، فقد حفر أعمق من الجميع، مؤكدًا أن الحرية
لا تبدأ من إسقاط طاغية، بل من إعادة تشكيل الوعي، من تفكيك وهم الهيبة المزيفة، ومن
بناء إنسان حر لا يُباع ولا يُشترى.
ولذلك نقولها بمرارة:
فلسطين لا تُخذل فقط حين يُقصف أطفالها، بل تُخذل عندما نُربي أجيالنا
على الخوف، ونُدرب شعوبنا على الصمت، وندفن وجداننا في نعوش الشعارات.
فلسطين هي المرآة التي تكشف وجوهنا كما هي... بلا مكياج، ولا أقنعة.
ومن لم يرَ وجهه الحقيقي فيها، فهو أعمى، أو يتعمّد العمى.
لقد آن الأوان أن نتوقف عن خداع أنفسنا.
فلا عذر بعد اليوم لأي مثقف صامت، أو قائد متواطئ، أو إعلامي يُلمّع القيود
التي تكبلنا.
التحرر ليس قصيدة، ولا نشرة أخبار، ولا مؤتمر دولي.
التحرر قرار… قرار يتخذه العقل قبل أن يخرج إلى الميدان.
والسؤال اليوم ليس: متى تتحرر فلسطين؟
بل: متى نتحرر نحن من عبوديتنا؟