![]() |
|
3
سبتمتبر
2025
|
كربلاء المُقدسة .. منارة دينية وسياحية تتأهب لمستقبل عالمي!
نشر منذ 1 يوم - عدد المشاهدات : 8360
|
حوار خاص مع مستشار محافظ كربلاء لشؤون التخطيط المهندس محمد
القزويني
من “خدمات 72 ساعة” إلى “ذاكرة كربلاء”.. مبادرات ترسم ملامح
المستقبل
أجرى الحوار: رئيس التحرير
كربلاء المقدسة.. مدينة تتنفس التاريخ وتزهو بالروح، تحتضن بين ثناياها أقدس المعالم الدينية، وفي الوقت نفسه تتأهب لتكون حاضرة عصرية تضاهي كبريات المدن العالمية. هنا، بين عبق الماضي وإشراقة المستقبل، تولد المبادرات وتُرسم الخطط بوعيٍ عميق ورؤية متجددة.
في هذا الحوار الخاص مع مستشار محافظ كربلاء المُقدسة لشؤون التخطيط، المهندس محمد القزويني، نفتح ملف المشاريع الاستراتيجية التي تهدف إلى جعل كربلاء ليس فقط وجهة للزائرين ومعلماً خالداً للذاكرة الإنسانية، بل مدينة حديثة بمعايير عالمية، تتناغم فيها الخدمات مع التنمية، ويجتمع فيها صوت المواطن مع قرار المسؤول.
من مبادرة خدمات 72 ساعة التي وضعت الحلول السريعة في متناول الأهالي،
إلى مشروع ذاكرة كربلاء الذي يوثق هوية المدينة، وصولاً إلى مشاريع الواجهة الحضرية
والنقل والإعمار والاستثمار.. جميعها محاور تكشف عن رؤية شاملة تعكس كيف يمكن للتخطيط
أن يمزج بين الأصالة والحداثة.
بدايةً، لنبدأ من المبادرة
الأكثر تداولاً.. كيف وُلدت فكرة خدمات 72 ساعة وما الذي يميزها؟
-الفكرة وُلدت من حاجة يومية يلمسها المواطن. أحياناً يواجه المواطن مشكلة
بسيطة مثل انسداد في منهول أو تراكم نفايات في منطقة ما، لكن الانتظار لحلها قد يستغرق
وقتاً طويلاً. لذلك صممنا خدمات 72 ساعة بحيث يُخصص قطاع بلدي نموذجي، يتم تجهيزه بآليات
وفرق عمل ماهرة، مع تخصيص رقم هاتف مباشر. بمجرد اتصال المواطن، يُلبّى طلبه خلال
72 ساعة كحد أقصى، سواء كان الأمر يتعلق بالتنظيف، أو صيانة المناهيل، أو غيرها من
خدمات البلدية. نحن الآن في مرحلة التنفيذ الفعلي، وإذا نجح المشروع سيتم تعميمه على
بقية القطاعات.
كربلاء مدينة ذاكرة وتاريخ.. كيف ستترجم مبادرة ذاكرة كربلاء
– أرشيف المدينة الحي على أرض الواقع؟
-هذه المبادرة عزيزة على قلبي لأنها تحفظ روح كربلاء وهويتها. نعمل على
جمع وتدوين أرشيف شامل يوثق تاريخ المدينة من نشأتها وحتى يومنا هذا. سنصدر مجلدات
وكتب تُخلد هذه الذاكرة لتبقى حاضرة للأجيال القادمة. العمل يتم بشراكة واسعة: جامعة
كربلاء (كلية الآداب/ قسم التاريخ)، العتبتان المقدستان الحسينية والعباسية، المؤرخون،
الكتاب، وحتى الصحف المحلية. ما يميزها أنها ليست مجرد مشروع حكومي، بل كتابة حيّة
من أبناء كربلاء أنفسهم، والنتيجة ستكون كتاباً رسمياً يصدر عن الإدارة المحلية ليكون
شاهداً على عراقة المدينة.
وماذا عن الجانب العمراني؟ هل هناك مبادرات تعكس صورة حضارية
حديثة للمدينة؟
-بالتأكيد، لدينا مبادرة الواجهة الحضرية. تقوم على اختيار شارع رئيسي
في كل وحدة إدارية وتجديده بالكامل: من الإنارة والأرصفة إلى البنى التحتية، مع توحيد
الواجهات واللافتات التجارية بلون واحد لتكون متناغمة وتعكس صورة حضارية. الأجمل أن
المشروع يُمول من إيرادات البلدية نفسها دون تحميل ميزانية المحافظة أعباء إضافية.
وإذا نجح النموذج، سنعممه على جميع الوحدات الإدارية. ولا نغفل هنا أهمية إشراك القطاع
الخاص والتجار وحتى الفرق التطوعية، ليكون المشروع جهداً جماعياً يليق بكربلاء.
سمعنا أنكم تطرحون بعض المبادرات أولاً على المجتمع عبر وسائل
التواصل.. ما الهدف من ذلك؟
-هذا صحيح. نحن نؤمن أن التخطيط الناجح يبدأ من القاعدة، من المواطن نفسه.
لذلك طرحنا بعض المبادرات عبر وسائل التواصل الاجتماعي لنجمع آراء المجتمع الكربلائي.
هذه الخطوة تُجسد توجيهات المحافظ نصيف الخطابي بأن يكون التخطيط من الأسفل إلى الأعلى،
بحيث يشارك الناس في صياغة القرارات والمشاريع. هذه المقاربة تجعل المواطن شريكاً فعلياً
في التنمية، لا مجرد متلقٍ للخدمات.
برأيكم، كيف ستنعكس هذه المبادرات على مستقبل كربلاء؟
-أرى أن هذه المبادرات هي بداية لمرحلة جديدة. كربلاء تستحق أن تكون نموذجاً
حضارياً يليق بتاريخها الديني والروحي، وفي الوقت نفسه مدينة حديثة توفر خدمات عصرية
لمواطنيها. من خلال خدمات 72 ساعة، وذاكرة كربلاء، والواجهة الحضرية، نريد أن نمزج
بين الأصالة والتجديد. والأجمل أن كل هذه المبادرات تُبنى على الشراكة؛ شراكة المواطن،
والمؤسسات الأكاديمية، والقطاع الخاص، وحتى الفرق التطوعية. إذا نجحنا في هذا النهج،
فالمستقبل سيكون واعداً بلا شك.
كربلاء مدينة دينية وسياحية بامتياز.. كيف توازنون في التخطيط
بين احتياجات الزائرين وحقوق الأهالي في الخدمات؟
-رؤيتنا تقوم على مبدأ التوازن الدقيق؛ فخدمات الزائرين لا تنفصل عن حقوق
الأهالي. نحن ندمج المشاريع السياحية بالخدمات العامة، بحيث تعود بالنفع المشترك على
الجميع.
فحين نؤهل شبكة طرق أو نطور بنية تحتية لاستقبال ملايين الزائرين، فإن
هذه المشاريع تصبح بالوقت نفسه خدمة مستدامة لأهل المدينة، تُحسّن حياتهم اليومية وتدعم
استقرارهم.
هل هناك رؤية شاملة لتحويل كربلاء إلى عاصمة سياحية ودينية
عالمية بمعايير حضرية حديثة؟
-نعم، لدينا رؤية متكاملة تجعل من كربلاء المُقدسة مركزاً دينياً وسياحياً
عالمياً، لا يقتصر على بعدها الروحي فحسب، بل يمتد إلى هوية حضرية حديثة. نحن نعمل
على تطوير شبكات النقل، وتحسين المرافق الخدمية، وتعزيز الطابع العمراني وفق معايير
المدن الذكية والمستدامة عالمياً. وقد بدأنا فعلياً خطوات مشروع استراتيجي لجعل كربلاء
المقدسة عاصمة السياحة الدينية في العالم الإسلامي.
ما هي أولوياتكم التخطيطية
للسنوات الخمس المقبلة؟
-أولوياتنا واضحة: البنية التحتية أولاً، معالجة أزمة السكن ثانياً، تحسين
الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء ثالثاً، وأخيراً فتح أبواب الاستثمار لخلق فرص عمل.
نعمل بموازاة بين مشاريع عاجلة تلبي الاحتياجات اليومية، وخطط استراتيجية بعيدة المدى
تضع كربلاء على خارطة المدن الحديثة.
مشروع الطرق من أعقد الملفات.. كيف ستعالجون الاختناقات المرورية
خصوصاً في الزيارات المليونية؟
-خطتنا تعتمد على حلول جذرية؛ منها إنشاء طرق حلقية تحيط بالمدينة، وممرات
خاصة للزائرين، إضافة إلى مشاريع النقل الجماعي الذكي. ولعل المشروع الأبرز هو “دوار
الإمام الحسين (ع)” الذي وضع حجر أساسه دولة رئيس الوزراء، ويُعد شرياناً حيوياً يربط
مداخل المدينة ويسهم بتخفيف الضغط المروري في ذروة الزيارات المليونية.
وماذا عن تطوير شبكات الماء والكهرباء؟
-نعمل على تحديث شامل يشمل التوسعة والتأهيل وزيادة الإنتاجية لمواكبة
النمو السكاني وتوافد الزائرين. كما ندخل تقنيات حديثة لترشيد الاستهلاك وضمان الاستدامة.
وقد أطلقنا مشروع ماء جنوب كربلاء بطاقة إنتاجية تبلغ (16000) متر مكعب يومياً، وهو
أحد أهم المشاريع التي وضع رئيس الوزراء حجر أساسها.
هل تشمل خططكم توسعة مطار كربلاء وربطه بشبكات النقل الإقليمي؟
-بالتأكيد، فالمطار ركيزة أساسية لمستقبل كربلاء. لدينا خطط لتوسعته وربطه
بشبكات الطرق السريعة وخدمات النقل الحديثة، بما يرسّخ موقع كربلاء كمحطة إقليمية للنقل
والسياحة، متكاملة مع مشروع طريق التنمية.
كيف تضمنون العدالة في توزيع المشاريع بين مركز المدينة وأقضيتها
ونواحيها؟
-نحن ملتزمون بمعايير “العدالة المكانية”، حيث تُوزع المشاريع بناءً على
الكثافة السكانية والاحتياجات الفعلية لكل قضاء وناحية. هذا النهج يضمن شمولية التنمية
ويقلل الفوارق الخدمية بين المركز والأطراف.
أزمة السكن تزداد حدة.. ما هي حلولكم العملية؟
-وضعنا برامج إسكان متكاملة، تبدأ بتوزيع قطع الأراضي لجميع الشرائح،
ولا تنتهي عند إقامة مجمعات سكنية حديثة مخصصة لأصحاب الدخل المحدود عبر تسهيلات تمويلية.
هدفنا أن نستوعب الزيادة السكانية المتسارعة ونؤمن السكن الكريم لأبناء المحافظة.
ماذا عن معالجة العشوائيات دون الإضرار بالأهالي؟
-العشوائيات ملف حساس، لذلك خطتنا تركز على إعادة التأهيل العمراني بشكل
يحفظ حقوق الأهالي، ويوفر لهم بدائل سكنية منظمة ومدعومة بالخدمات. نحن نؤمن أن الحلول
يجب أن تكون إنسانية وعمرانية في آن واحد.
أين يقع الاستثمار في خططكم التنموية؟
-الاستثمار هو العمود الفقري لخططنا. نحن نعتمد على جذب الاستثمارات المحلية
والأجنبية عبر شراكات استراتيجية في مشاريع البنى التحتية. ونعمل على خلق بيئة قانونية
وإدارية آمنة وشفافة لتشجيع المستثمرين، مما يعزز اقتصاد المدينة ويوفر فرص عمل جديدة.
هل تسعون لتحويل كربلاء إلى مركز اقتصادي موازٍ لمكانتها الدينية؟
-بالفعل، رؤيتنا تتجاوز الطابع الديني إلى البعد الاقتصادي. نعمل على
تطوير قطاعات التجارة، السياحة، والصناعة، ليصبح الاقتصاد الكربلائي رديفاً لمكانتها
الروحية، فيخلق توازناً بين قدسيتها وحركتها الاقتصادية.
كيف تتعاملون مع التحديات التي يواجهها المستثمرون؟
-نحن نعمل على تبسيط الإجراءات البيروقراطية، وتخصيص الأراضي، وتقديم
الدعم اللوجستي والإداري. كما نؤمن بيئة آمنة للاستثمار، لأن نجاح المستثمر يعني نجاح
التنمية المحلية.
شح المياه والتلوث البيئي.. ما خططكم لمعالجة هذه الأزمة؟
-أزمة المياه ليست محلية بل وطنية، نتيجة التغيرات المناخية وشح الموارد.
في كربلاء نعمل على مشروع السد الأبيض في قضاء عين التمر بالتنسيق مع وزارة الموارد
المائية، وهو مشروع استراتيجي يعزز الأمن المائي. بالتوازي، لدينا خطط للحد من التلوث
البيئي وتعزيز الاستدامة.
هل هناك مشروع لتحويل كربلاء إلى مدينة خضراء؟
-نعم، لدينا مشروع استراتيجي للتحول نحو مدينة خضراء من خلال التوسع بالمساحات
الخضراء، واستخدام الطاقة النظيفة، ودمج معايير البيئة في التخطيط العمراني. رؤيتنا
أن تكون كربلاء مدينة روحية وبيئية في آن واحد.
كيف تتخيلون كربلاء بعد عشر سنوات من الآن؟
-أرى كربلاء بعد عقد من الزمن مدينة متكاملة الخدمات، متطورة عمرانياً،
تمتلك شبكة نقل حديثة، وبيئة مستدامة. ستكون كربلاء ليس فقط عاصمة روحية للعالم، بل
نموذجاً للمدن العراقية الحديثة، ومركزاً اقتصادياً وسياحياً عالمياً، يجمع بين قدسية
المكان وحداثة التخطيط.
بهذا الخطاب الواضح والحماس الذي يحمله مستشار المحافظ المهندس محمد القزويني،
ندرك أن كربلاء المقدسة لا تسير بخطوات تقليدية، بل برؤية تستمد قوتها من الماضي وتُشرق
نحو المستقبل. مبادرات واقعية، مشاريع مدروسة، وشراكة مجتمعية حقيقية.. كلها تصنع من
كربلاء نموذجاً يُحتذى به في التخطيط والتنمية وتضح لنا ملامح خارطة طريق جديدة تُرسم
بعناية لا تكتفي بكونها قبلة للروح ووجهة للملايين، بل تمضي بخطى واثقة لتصبح نموذجاً
حضارياً يحتذى به في التخطيط والتنمية. بين مبادرات تلامس حياة المواطن اليومية، ومشاريع
استراتيجية تعيد رسم هوية المكان، تنبض رؤية المهندس محمد القزويني بإرادة لا تعرف
المستحيل.
إنها كربلاء التي تتحدث بلغة المستقبل، فتجمع بين قدسية الأرض وحداثة
العمران، بين الذاكرة الخالدة والحلم العالمي. ومن يقرأ تفاصيل هذه الرؤية، يدرك أن
المدينة تسير لا لتواكب الزمن وحسب، بل لتسبق خطاه وتُسطّر اسمها في سجل العواصم الكبرى.
بهذا الأفق الواسع والشغف العميق، تُثبت كربلاء أنها ليست مجرد مدينة،
بل حكاية خالدة تُكتب اليوم بفصل جديد من التنمية والنهضة.